أكبر تهجير قسري منذ النكبة.. ماذا بعد رفح؟

[ نازحون في رفح/ الجزيرة ]

بعمر الـ80 عاما يعيش عبد الواحد أحمد ما عايشه إبان النكبة عام 1948، وكان حينها طفلا في السادسة من عمره، عندما هُجّر مع أسرته قسرا من بلدتهم "بربرة" وأقاموا مع الآلاف في خيام، تحولت مع مرور الوقت لمخيمات لاجئين في غزة، تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
 
كانت تلك الخيام "مؤقتة"، أو هكذا اعتقد جيل النكبة، إلى حين العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هُجروا منها على وقع مجازر مروعة ارتكبتها "العصابات الصهيونية".
 
ومضت السنوات حتى باتت هذه الخيام تشكل 8 مخيمات للاجئين في قطاع غزة الذي يواجه حربا شرسة للشهر الثالث على التوالي، تسببت في تهجير ونزوح 1.9 مليون فلسطيني.
 
أكبر عملية تهجير
 
وتقدّر منظمات محلية ودولية أن النازحين بسبب الحرب الإسرائيلية يمثلون 85% من بين 2.3 مليون فلسطيني يقطنون القطاع، وينحدر أكثر من 70% من عائلات لاجئة في أكبر عملية تهجير قسري منذ النكبة.
 
وبسخرية وقهر يقول عبد الواحد للجزيرة نت "كنا نطالب بحق العودة إلى بربرة، وأصبحنا نطالب بحق العودة إلى جباليا وبيت لاهيا".
 
وفي خيمة صغيرة ومتواضعة تعبث بها الريح، يقضي عبد الواحد جل وقته يصلي ويأكل القليل من الطعام المتوفر، ويجول ببصره في أرجاء المكان الذي تحوّل إلى مخيم وتتزاحم في رأسه الذكريات، ويتساءل "وين بدهم يهجرونا بعد رفح؟".
 
بضع عشرات من الخيام أقامها نازحون من مناطق شمال القطاع في حي تل السلطان المتاخم للحدود مع مصر، ويخشى هذا اللاجئ الثمانيني من أن تجبرهم المجازر التي ترتكبها إسرائيل على النزوح إلى سيناء.
 
ويشاركه كثيرون هذه الخشية في ظل ما تشهده مدينة رفح الفلسطينية -على الحدود مع شقيقتها رفح المصرية- من اكتظاظ شديد نتيجة موجات نزوح واسعة، تقدرها السلطات المحلية بنحو 700 ألف نازح، يقيمون في مراكز الإيواء وفي منازل أقارب وأصدقاء.
 
لكن الآلاف من أمثال عبد الواحد وأسرته لم يكن أمامهم خيار سوى نصب الخيام في أرض خالية في غربي المدينة، تفتقر لأبسط مقومات الحياة الأساسية.
 
ملاحقة النازحين
 
وما يزال عبد الواحد يختزن ذكريات كثيرة ومؤلمة، ويقول "هكذا بدأت"، ويشير بيديه إلى الخيام المتجاورة، ويكمل "ماذا بعدها، هل سنقيم هنا أم ستلاحقنا إسرائيل بالقتل وتهجرنا بره البلاد؟".
 
ولاحق جيش الاحتلال النازحين من مدينة خان يونس ومناطق شمال القطاع إلى مدينة رفح، بالقتل وارتكب مجازر مروعة بغارات جوية استهدفت منازل سكنية تؤوي أُسرا من النازحين، آخرها منزل عائلة أبو ضباع في مخيم الشابورة للاجئين، وتسببت في استشهاد وجرح العشرات.
 
وتقدّر السلطات المحلية في غزة أن أكثر من 45% من ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية في مناطق جنوب القطاع، بما فيها مدينة رفح، هم من النازحين، الذين هجروا منازلهم ومناطق سكنهم في مدينة غزة وشمال القطاع، ولجؤوا إلى مناطق الجنوب، الذي زعم جيش الاحتلال أنها "آمنة".
 
وتشكو أمل عبد الله "أم شفيق" من ضيق الحال في خيمتها المجاورة لخيمة عبد الواحد، وتقول للجزيرة نت "نزحنا من بيت لاهيا لخان يونس ومنها إلى رفح، وبعدين وين بدهم يهجرونا؟".
 
"على سيناء"، أجابها ابنها توفيق (30 عاما) وهو يحتضن بيده اليمنى طفلته الوحيدة "أمل" التي أنجبها بعد 10 سنوات من الزواج، وبيده الأخرى أشار إلى الحدود مع مصر. وقال للجزيرة نت "بيوتنا دمرت في بيت لاهيا، ولم نعد قادرين على التفكير بشيء، ولا يهمني الآن سوى سلامة بنتي".
 
لكن والدته الخمسينية لا تريد سوى العودة إلى بيت لاهيا وإعادة إعمار منزلها المدمر، وتؤكد "إذا طلعنا من أرضنا مش حنرجع لها ثاني زي ما صار في الـ48".
 
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في قطر الأحد الماضي، من تزايد الضغط من أجل النزوح الجماعي إلى مصر.
 
واتهم فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا، إسرائيل بتمهيد الطريق لطرد سكان القطاع جماعيا إلى مصر عبر الحدود، مشيرا في مقال نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية، إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة واحتشاد المدنيين النازحين الذين فروا من القصف الإسرائيلي والحرب البرية قرب الحدود في الشمال ثم الجنوب.
 
وأكد أن "التطورات التي نشهدها تشير إلى محاولات لنقل الفلسطينيين إلى مصر".
 
وفي حين دأبت أوساط سياسية وعسكرية إسرائيلية على نفي أي مخططات لنقل سكان غزة إلى مصر، فإن أعضاء في الحكومة دافعوا علنا عن فرضية مغادرة الفلسطينيين القطاع.
 
جريمة حرب
 
وكتب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، على فيسبوك "مرحبا بالهجرة الطوعية لعرب غزة إلى دول العالم". كما دعت وزيرة الاستخبارات غيلا غملئيل، إلى تشجيع "إعادة التوطين الطوعي للفلسطينيين من غزة خارج القطاع، لأسباب إنسانية".
 
وقدّر مسؤولون إسرائيليون سابقون -في مقابلات تلفزيونية- أن مصر بإمكانها إقامة مدن خيام واسعة في صحراء سيناء، بتمويل دولي.
 
ويقول رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" رامي عبدو -للجزيرة نت- إنه بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن ترحيل دولة الاحتلال أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها يشكّل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
 
والواقع أن ما يجري اليوم في غزة ليس حربا بالمفهوم التقليدي بقدر ما هو هجوم عسكري ترتكب فيه إسرائيل جريمة التهجير القسري والإبادة الجماعية بدون وجود أسباب قهرية عسكرية، بحسب عبدو.
 
ويرى أن ما مارسته تل أبيب من دفع السكان المدنيين في غزة للنزوح، هو مسار يعكس نوايا إسرائيلية للتهجير إلى خارج القطاع باستخدام القصف المستمر وسياسة التجويع ضد الكتلة البشرية الأكبر الموجودة حاليا في رفح، وهو ما قد يدفع هذه الكتلة للبحث عن أماكن يتوفر بها الأمن والحد الأدنى من مقومات الحياة.
 
ويرى أستاذ العلوم السياسية حسام الدجني، أن إسرائيل تحقق 3 أهداف من وراء دفعها الناس إلى أقصى الجنوب نحو مدينة رفح، يتعلق الأول بسهولة تطبيق سيناريو التهجير القسري للسكان نحو سيناء، لا سيما مع اشتداد العقاب الجماعي وانعدام الأمن الغذائي، وجرائم الإبادة الجماعية.
 
أما الهدف الثاني يقول الدجني -للجزيرة نت- فهو إظهار الاحتلال بصورة الحريص على المدنيين والمستجيب للنداءات الدولية ضمن سياسة التضليل للعالم، لأنه لا يوجد مناطق آمنة على طول حدود غزة. بينما يتمثل الهدف الثالث في تخفيف الكتلة الديمغرافية في مناطق القتال لتطبيق سياسة الأرض المحروقة.
 
ويجزم المتحدث بأن إسرائيل لن تنجح في مخططاتها ومساعيها، ويقول إن كافة المؤشرات تؤكد أن ثمة تحولات في المشهد الإقليمي والدولي، وفي الإطار العملياتي داخل غزة، وأبرزها تسريبات جيش الاحتلال لعدد قتلاه، لتأليب الداخل الإسرائيلي على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
 
كما أن حجم الحراك المستمر داخل الدول الغربية، والمقاطعة الاقتصادية وغيرها، كلها أسباب ودوافع تعجّل من نهاية الحرب وهزيمة إسرائيل، كما يؤكد الدجني.
 
المصدر: الجزيرة
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر