في اليمن.. يأكلون أوراق الشجر في زمن المجاعة

[ سكان الحديدة يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة (رويترز) ]

في قرية الدمينة جنوبي محافظة الحديدة (غربي اليمن)، توقظ أسماء طفلها قبل أن تشرق الشمس، وبخطى متسارعة ينطلق أنور إلى الأحراش البعيدة عن القرية، وبعد وقت وجيز يعود حاملا أوراق نبتة "الغلف" (الحلص).

تبدأ أسماء ترتيب تلك الأوراق بشكل منظم في قدر صغير، ثم تصب عليه الماء الذي جلبته من البركة الراكدة، وبعد ساعة من غليانه على النار يكون ذلك هو الوجبة الرئيسية لأطفالها الستة وزوجها.

تقرفص أسماء خارج منزلها المكون من بنائين صغيرين يمثلان غرفتين للأسرة، ضمن 26 أسرة تسكن القرية، وتقول "لا نملك شيئا، هذا ما نتناوله يوميا، أطبخ الحلص في الصباح وأظل أتناوله مع أطفالي في الإفطار والغداء والعشاء".

وتضيف "أحيانا لا نعثر عليها"، بعد أن أصبحت تلك الأوراق ذات الطعم الحامض غذاء رئيسيا لسكان القرية، وللنازحين من المدن والمناطق الجنوبية للحديدة، التي تشهد معارك متواصلة بين القوات الحكومية المسنودة من التحالف السعودي الإماراتي وبين مسلحي جماعة الحوثي.

سباق محموم

وكل يوم يتسابق سكان القرية لجني أكبر قدر من أوراق "الحلص"، إذ تقول أسماء للجزيرة نت إن من الضروري قطف تلك الأوراق قبل بزوغ الشمس، لأن مذاقها قد يصبح سيئا إذا قطفت بعد التعرض لأشعة الشمس.

وأضافت "الناس يتسابقون عليها، لأنه لا توجد حاجة يأكلونها. نادرا ما نأكل وجبة مختلفة في حال وزع فاعلو الخير فولا ودقيقا، أما المنظمات لا تأتي".

لا توجد لدى أسماء أدنى فكرة عن المنظمات الإنسانية، لكنها تردد ما يقوله الناس في القرية، بأن منظمات توزع الغذاء في العاصمة صنعاء ومراكز المدن الرئيسية، لكن لم يسبق لها أن وصلت إلى قريتها الصغيرة.

وبين الحين والآخر، تتجه أسماء مع أطفالها إلى منطقة الحسينية التابعة إداريا لمديرية بيت الفقيه، للتسول من المارة وتجار المحلات، لكن غالبا ما تعود -من مشوارها الطويل- خائبة، "فالمتسولون كثر والناس باتوا فقراء".

وتقول "نموت من الجوع، بعض القرى لا يجدون اللقمة وشربة الماء، كنا نشتغل في الأرض ونبيع الدواب، واليوم لا نملك شيئا".

وحال أسماء وأسرتها لا تختلف عن حال سكان القرية والقرى المجاورة، وهم ضمن سبعة ملايين يمني يعانون من الجوع الشديد، بعد أن انهارت الأوضاع المعيشية إلى مستويات دنيا، وفق برنامج الغذاء العالمي.

طعام النازحين

ويعيش الآلاف من اليمنيين في مديريات ومدن الساحل الغربي على وجبة واحدة، وفاقمت الحرب كارثتهم الإنسانية، وأجبرهم القتال المحتدم منذ أربعة أشهر على مغادرة منازلهم وقراهم وباتوا يعيشون في العراء.

يقول عبد الجبار محمود، وهو مسؤول محلي في منطقة البدوة -التي تدور على مقربة منها معارك مستمرة في مزارع النخيل منذ مايو/أيار الماضي- إن السكان نزحوا إثر شن الطيران الحربي التابع للتحالف السعودي الإماراتي غارات مكثفة على المنازل والمزارع.

وأضاف "نزحوا فقراء ولا يملكون طعاما، بعضهم اضطر لتناول بذور وأوراق الأشجار التي لا تصلح للأكل".

ويرى محمود أن المنظمات الدولية لا تكترث بحال السكان، بينما لم تقدم أطراف الحرب أي معونة لهم، "في تعد واضح على القوانين الدولية والإنسانية التي تلزم أطراف الصراع بإيواء المدنيين".

وأشار إلى أن "الكثير من السكان والنازحين يأكلون أوراق الغلف (الحلص)، فهي باعتقادهم تحمل قيمة غذائية تساعدهم على البقاء، لكنها تقرب الأطفال من الموت، وسبق أن شهدت وفاة طفلين بسبب الجوع".

ويقول "أكل الحلص ارتبط بالمجاعات، فقبل سبعين عاما اضطر آباؤنا لتناوله ومات العشرات منهم".

وفاة الأطفال

ويعاني نحو 1.8 مليون طفل في اليمن من سوء التغذية العام، منهم أربعمئة ألف طفل تحت سن خمس سنوات، حيث يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد، وهم بحاجة لتدخلات برامج التغذية العلاجية لإنقاذ حياتهم، ومعظم تلك الإحصائية في الساحل الغربي.

وقال طبيب في مستشفى الثورة العام في مدينة الحديدة (مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته) إن عددا من الأطفال لقوا حتفهم نتيجة تداعيات سوء التغذية، بينما لم يتمكن أهالي بعضهم من إسعافهم كونهم لا يمتلكون قيمة أجرة السفر من قراهم إلى المستشفى.

وأضاف للجزيرة نت -مفضّلا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام- أن سوء التغذية الوخيم بدأ التفشي مجددا بعد الجهود الإنسانية لمنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف)، ويعود ذلك إلى العمليات العسكرية التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي.

ولم يورد الطبيب حصيلة محددة بعدد الوفيات، لكنه أشار إلى أنهم بالعشرات.

الحرب والجوع والمرض

وبسبب الحرب، هناك 8.6 ملايين طفل لا يحصلون بشكل منتظم على مياه الشرب النقية وخدمات الصرف الصحي والنظافة العامة، مما وفر بيئة مناسبة لتفشي الأمراض، وفق اليونيسيف.

وحذر المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفد بيسلي من حدوث مجاعة مدمرة في اليمن بسبب استمرار الحرب وصعوبة إيصال المواد الغذائية، منتقدا في الوقت نفسه استهداف مخازن الغذاء التابعة لبرنامج الغذاء العالمي.

وأشار بيسلي في بيان إلى سلسلة من الهجمات استهدفت خلال الفترة الأخيرة العمال والشاحنات والمستودعات وصوامع الحبوب، وهي مساعدات حاسمة في منع البلد من الانحدار إلى مجاعة كاملة.

من جهة أخرى، قالت منظمة "أنقذوا الأطفال" الأربعاء إن المجاعة التي تهدد ملايين الأطفال اليمنيين سببها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، مؤكدة أن ذلك يعود لاستئناف التحالف هجومه على مدينة الحديدة ومينائها الذي تمر منه معظم المواد الغذائية والمساعدات للمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.

المصدر : الجزيرة

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر