ودعنا ليلتقي بابنته


سلمان الحميدي

  مات محمد الصبري، مات الأستاذ الذي كان ينزل مع أولاده إلى ساحة التغيير، مات القيادي السياسي الذي يشعر أي شاب بأنه زميله منذ 2011.

تواضعه الكبير ينبي أنه ليس قياديًا، أي أنه لم يكن صارمًا ومقتصدًا في مقابلة الناس، ينزل من بيته في شارع الزراعة، يلف حول عنقه الوشاح، يتحدث مع كل من يصادف، من صاحب البقالة إلى بائع القات، إلى حراس الساحة، إلى أصدقاء الخيمة، ويصعد إلى المنصة ليتحدث عن الثورة، لم يصنع لنفسه حاجزاً ويمشي بدقة المواقيت، ولم يصنع حوله هالة بتقتير المجالسة واقتصارها على القيادات الكبار.

كان مثقفًا بسيطًا، خال من العقد الماضية وأبهة وهنجمة الواقع، كانت علاقاته السياسية تنطلق من وجهة نظره للمصلحة الوطنية، ربما سببت له هذه النظرة ضغوطات مختلفة، ذلك أن القيادات عرضة للمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة من قبل الأشياع المدجنين..

يمتلك الصبري منطقًا جعله في الواجهة عند المنعطفات الكبيرة التي مرت بها اليمن، وفي أوج المواجهة مع النظام السابق كان الصبري في الواجهة، إنها مقتضيات المصلحة الوطنية قبل أن تكون مقتضيات العمل في تكتل اللقاء المشترك، لم يسقط الصبري، لم توقفه التهديدات أو يرهبه بطش الأجهزة الغاشمة، يتعرض لنوبات مرض يخبو قليلًا لكنه لا ينطفئ.

لم يجذب الصبري أحدًا من أولاده إلى ممارسة السياسة، لم يشحن بدواخلهم الحقد واتخاذ المواقف من مكايدات أو تركة قديمة، هذا ما تحتاجه البلاد الآن، وتحديدًا عند الأحزاب السياسية وبعض المنشغلين بإشباع ولع التصنيف..
أولاده أصدقائي، عبدالعزيز يعمل في التصوير، حتى أنه عندما انعدم العمل باقتحام صنعاء، ترك العاصمة وعاد إلى الجبل ليعمل في الأودية، عقبة وجمال أبطال في المصارعة، شاركوا في عدة بطولات خارجية وكانوا خير ممثل لليمن الحزين.

ربما كانت ماجدة، أكثر شبهًا بأبيها، كاريزما إلتقاء الناس، الاحتكاك في العمل السياسي والحقوقي، لقد درست في كلية الإعلام، وعندما اشتدت ضراوة الحرب عادت إلى الجبل، جبل صبر.
الصبري لا يستغل موقعه وعلاقاته في توظيف أولاده.

كانت الفاجعة الكبرى لنا، هي الفاجعة التي حطت على قلب محمد الصبري بموت ماجدة.. كان الموت مفاجئًا.. لقاء الوداع بين الفتاة وأبيها لن يتم، حتى وإن تم فإنه لا يغير شيئًا من القدر المحتوم، لقد فرضت الحرب الكثير من الطقوس الموجعة، وبلغ الشتات ذروته حتى وصل إلى شكل العزاءات.. عزاء في الجبل، عزاء في صنعاء، عزاء في القاهرة.. هكذا توزعت مشاعر القيادي، أو بالأحرى مزقتها حرب وصلت إلى لخبطة عاطفة الأب ومشاعر الأولاد..
لم يكن صديقًا لأولاده فقط، ولنا أيضًا.. نحن الذين نشرد حيارى بشكل العزاء الذين يمكن أن يكون لمحمد الصبري، وأين سيكون، وكيف يمكن أن نكتب تعزية بحق هذا القيادي القريب من الجميع، الذي لم يوقفه أحد وأوقفه السرطان ليجذبه إلى لقاء كان يريده، لقاء الأب بابنته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر