‏القبضة الحوثية تضعف في صنعاء


سلمان المقرمي

 المشهد الاحتفالي والاستعراضي العنيف الذي جهزه الحوثيون جيدا لإعدام تسعة أشخاص في صنعاء نهاية الشهر الماضي بحق 9 أشخاص من تهامة بعضهم عمل مع الحوثيين في وقت سابق، يهدف بحسب باحثين لإظهار الحوثيين أنهم عازمو على ترسيخ حكمهم وإخضاع المجتمع عبر الترهيب، وبينما كانت الرسالة واضحة من الحوثيين إلى الشعب في مناطق سيطرتهم، فإنها في نفس الوقت توحي أيضا بشعور حوثي متراكم وعميق إلى أن سطوتهم بدأت تضعف فعليا هناك، الأمر الذي أدى بهم إلى إعدام التسعة أشخاص بطريقة بشعة على أنغام الزوامل والاستعراض الهائل لقدرتهم العنيفة.
 
وحين نقول بدأت تضعف فلأن الحوثيين لم يكونوا قبل ذلك بحاجة إلى ذلك الاستعراض؛ على مدى سنوات كان الحوثيون يتفاخرون بأنهم يستطيعون اعتقال أو خطف أي معارض لهم أو يشتبه في معارضتهم دون اللجوء لحشد هائل من القوة.
 
وبينما اختارت المليشيا بعناية الشروع في تنفيذ أحكامها بالإعدام بالجملة بحق سكان تهامة فذلك عائد إلى عدة أسباب أهمها توقعها بضعف ردة الفعل من قبل أنصار القتلى، ولكن سيبقى من المنتظر إلى أي حد تستطيع أن تجازف بإعدام 11 شخصا بينهم امرأتين فيما تسميها المليشيا بخلية عمار صالح.
 
على أية حال، هناك مؤشرات عدة تقول إن القبضة الحوثية آخذة في التراجع، وبسرعة كبيرة، الإحصائيات الأمنية الحوثية التي تصدرها دوريا عن جريمة القتل الجنائي العمد والشروع في القتل في مناطق سيطرتها التي تحصيها المليشيا وتنشرها عبر الإعلام تشير إلى 20 جريمة قتل يومية عمدا أو شروع فيها، وذلك يعني بصورة واضحة انتشار الجريمة وتراجع هيبة المليشيا الحوثية.
 
وبلغ مؤشر القلق الحوثي ذروته في خطاب عبد الملك الحوثي الذي ألقاه في السابع من أكتوبر، ونفى فيها بشدة أن تكون جماعته تجبر الناس على دفع جبايات بمناسبة احتفالاتها بطقوسها الطائفية.
 
وقال عبد الملك إن من يجبر على دفع الجبايات عليه الإبلاغ عن ذلك. بغض النظر عن كذب عبده الحوثي، فإن جماعته إجرامية في منشئها وغايتها الجبايات والسلطة وليس أي شكل من أشكال الدولة، لكن الجماعة على لسان قائدها الذين يقولون عنه إنه مدير مكتب الله في الأرض كما قال أحد أنصاره، ووصفه حسين العزي القيادي بالمليشيا بأنه الهدى، بدا قلقا جدا من حجم الغضب الشعبي العارم هناك ضد جماعته تؤججه سلسلة الجبايات الباهظة المفروضة على الشعب بالقوة خدمة لإيران.
 
وقال عبد الملك الحوثي نصا: " من الممنوع أي جباية مالية إجبارية للمناسبة، نحن لا نسمح بذلك أبداً، لا يحتاج أبناء هذا الشعب إلى إجبار على أن يتعاونوا في الاهتمام بهذه المناسبة، الكثير منهم بكل محبة، بكل شوق ولهفة سيتعاونون من ذات أنفسهم، وبطيبة أنفسهم، لن يحتاج أحدٌ إلى إجبار، الذي سيحتاج إلى إجبار لا خير فيه".
 
ولا تحتاج هذه العبارات إلى شرح للتعبير عن التراجع الكبير للقبضة الحوثية وإدراكها العميق أيضا بقرب المواجهة ضد الشعب هناك في قلب صنعاء.
 
ثمة مؤشر آخر على حجم التراجع المخيف في القبضة الحوثية، على السكان في صنعاء تحديدا ومحافظات أخرى، منها الاحتفال الشعبي العارم بذكرى 26 سبتمبر في المدن والقرى والجبال في مناطق سيطرة الحوثيين، وكانت في السنوات الأولى لسيطرة الحوثيين على صنعاء تقتصر على الاحتفال بها فقط في مواقع التواصل الاجتماعي.
 
فهم الحوثيون الرسالة جيدا التي أوصلها الاحتفال الشعبي الواسع بذكرى ثورة 26 سبتمبر، ولكن طبيعتهم الإمامية لن تدفعهم إلى أي مراجعة على الإطلاق، وبالمناسبة جاءت ذكرى الثورة الجمهورية بعد أسبوع واحد فقط من إعدام التسعة جماعيا في قلب صنعاء، ما يعني أن الشعب رد بطريقته المتاحة حتى الآن على تلك الجريمة وعلى موقفه من الحوثيين كمنظمة إجرامية.
 
في صنعاء أيضا استطاع سكان مدينتي الخمسين السكنية غربي العاصمة وسعوان السكنية شرقيها كسر حاجز الخوف من تنظيم التظاهرات وبدأوا في تنظيم مظاهرات احتجاجية واسعة ومنتظمة أسبوعيا ضد الحوثيين، ومع أن المتظاهرين يؤكدون ولاءهم للحوثيين وينسبون أنفسهم إلى المليشيا إلا أنهم هددوا علنا بأنهم مستعدون لقتال الحوثيين في قلب العاصمة دفاعا عن منازلهم. كما توعد مجموعة منهم بالاقتداء بضابط حوثي قتل وجرح 11 عنصرا حوثيا في المدينة الجوية بشارع الستين مطلع الشهر الماضي، وقال سكان مدينتي الخمسين وسعوان إن ذلك خيار يمكن اللجوء إليه، قبلها كانوا خاضعين لحصار حوثي خانق على منازلهم منذ يوليو2017، ولم يعودوا يقبلوا باستمرار ذلك الحصار، وتعهدوا بكسره.
 
ذهب القيادي في المليشيا أحمد حاشد ذي العلاقة المباشرة مع إيران إلى القول إن الجماعة تتجه إلى حل ما بقي من مجلس النواب الذين لا يزيد عددهم عن 30 نائبا من أصل 301 وتشكيل حكومة حوثية أكثر رعبا.
 
في السياسة يشير الاتجاه إلى زيادة الإجراءات الانتقامية أن حالة العداء صارت مستحكمة، وبينما تميل كفة القوة الفعلية الخشنة حاليا في صنعاء لصالح جماعة عبده الحوثي إلا أن المؤشرات في الوقت نفسه تشير أيضا إلى تراكم القوة والغضب الشعبي بسرعة ضد الحوثيين.
 
ويمكن التركيز على عدة مؤشرات لفهم مدى تراجع القوة الحوثية وهيبتها في صدور الناس أهمها التركيز على النشاط الإعلامي الواسع رغما عن الحوثيين في محافظة إب والذي استطاع في أحايين كثيرة الانتصار على الجماعة في عدة قضايا، وبدا أن المليشيا في محافظة إب لم يعد بإمكانها مواجهة السكان بغطرسة كما في السابق، بينما يتوعد الإعلاميون وكثير منهم يسكنون في قلب المحافظة بالتصعيد عند كل قضية.
 
وبالنظر إلى ما يجري هناك فإن من مؤشرات تراجع القوة الحوثية عمق الخلافات بين الجماعات الحوثية المتعددة والمتنافسة فيما بينها التي صارت تعمد إلى تسريب ما يخدمها في مواجهتها ضد منافسيها إلى الإعلام، والصراع المحتدم بين مؤتمر أبوراس وعبد الملك الحوثي، والذي عجز مهدي المشاط في لقائه بيحيى الراعي وصادق أمين أبوراس في احتوائه واضطر أبو راس إلى لقاء عبد الملك الحوثي لمحاولة حل هذه الخلافات.
 
وبينما كانت الاحتجاجات تحتدم في عدن وحضرموت وتعز خلال الأسابيع الماضية ضد الحكومة كان حسين العزي يمسك على قلبه خوفا من انتقال تلك الاحتجاجات إلى صنعاء، وهي لا ريب قادمة، ويعرف الحوثيون أن الاحتجاجات في المدن المحررة لم تخرج إلا من أجل الكرامة المهدورة، وهي في صنعاء أشد هدرا ويتوق الناس هناك إلى حرية القول والتعبير والغضب على الأقل.
 
وفي خضم الاحتجاجات كتب حسين العزي سلسلة من التغريدات بإسهال شديد، كان ينبئ عن خوف واضح وفق مراقبين ومتخصصين لحالته النفسية في تلك الأيام، تعبر عن عجزه عن الإجابة على سؤال يلوح أمامه بقوة وجماعته: متى تندلع الاحتجاجات في صنعاء؟ وكيف ستواجهها الجماعة الحوثية المفككة إلى عدة جماعات وقيادات؟

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر