عجز ميزان المدفوعات .. إلى أين؟


وفيق صالح

 ظل اليمن يعاني خلال السنوات الماضية، من تفاقم العجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري للدولة، نتيجة توقف أهم الصادرات اليمنية، وتعطيل المؤسسات والقطاعات الحيوية، وزيادة الاعتماد على الخارج واستيراد أكثر من 90% من السلع الضرورية والغذاء.
 
مع طول أمد الحرب، وانعكاس ذلك على أداء الاقتصاد الوطني، للدولة، وتضرر الركائز التنموية والحيوية للبلاد، بدرجة أساسية، دون وجود أي خطط حكومية، لإعادة تفعيل الصادرات وإصلاح الاختلالات، أو إعادة تنظيم آلية الاستيراد، بما يضمن تحقيق التوازن في الميزان التجاري للدولة، تعمقت أزمة ميزان المدفوعات، وأصبحت الحكومة تواجه عجزاً حقيقاً في توفير الكميات اللازمة من النقد الأجنبي لتغطية كافة احتياجات البلاد، من السلع الضرورية والأساسية، والمشتقات النفطية، والمواد الاستهلاكية.
 
وتشير دراسة "النقد والغذاء .. تعزيز الأرصدة " الصادرة خلال العام الجاري، إلى أن عجز ميزان المدفوعات في العام 2021م مليار و674 مليون دولار، ويتوقع أن يصل مع نهاية العام 2022م، إلى ثلاثة مليارات دولار في ظل توقعات انخفاض تحويلات المغتربين، وارتفاع قيمة الواردات، والغموض الذي يكتنف عائدات الحكومة من مبيعات النفط والغاز. 
 
وطبقا للدراسة، يُنذر ارتفاع عجز ميزان المدفوعات ونفاد احتياطي البنك المركزي، وتأخر تحويل الوديعة المقدمة من السعودية والإمارات، يُنذر بكارثة إنسانية والتي بدأت على شكل تأكيدات للقطاع الخاص أنه غير قادر على الاستمرار في استيراد المواد الغذائية لنقص التمويل.
 
تتفاقم التحديات الاقتصادية، مع جمود الحلول الحكومية، وزيادة الأزمات الدولية المتعلقة بسلاسل الإمداد وارتفاع أسعار النفط بعض السلع الأساسية، مثل الحبوب والقمح، وهوما يدفع بارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد، لمختلف السلع والمواد الغائية والضرورية، واستيراد المشتقات النفطية، في الوقت الذي تتقلص فيه حجم الصادرات اليمنية.
 
يُهدد العجز في ميزان الدفوعات، بتفاقم الضغوط على الأمن الغذائي في البلاد، وصعوبة توفير الاحتياجات اللازمة من المواد الأساسية، والسلع، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الوضع المعيشي، وتضخم الخدمات، واتساع رقعة الفقر والجوع والبطالة.
 
وتنشأ هذه الظاهرة، عادة، مع تذبذب أسعار الصرف، وارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد، وضعف الاستثمار الأجنبي، في البلد، فضلا عن تدهور كافة المؤشرات الاقتصادية، وضعف التمويل الخارجي، وتراجع موارد الدولة من النقد الأجنبي والمحلي.
 
وفي ظل بقاء الاختلالات الاقتصادية، أصبحت البلاد تشهد واحدة من أسوا الأزمات في العالم، مع توقف الدعم الخارجي، وتقلص الدعم الإنساني من قبل المنظمات العاملة في مجال الإغاثة في البلاد، الأمر الذي يهدد باتساع رقعة المجاعة الإنسانية، خصوصا مع بقاء أكثر من مليون موظف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، دون رواتب للعام السادس على التوالي، وغياب برامج الحماية الاجتماعية.
 
يواجه اليمنيون أسوأ سيناريو لانعدام الأمن الغذائي، في ظل استمرار التدهور المعيشي بسبب موجات غلاء أسعار السلع والوقود وشح المساعدات الخارجية، ما يضع ملايين الأسر أمام واقع كارثي بينما تلاشت قدراتهم الإنفاقية، خلال سنوات الحرب وانهيار الاقتصاد.
 
تقديرات أممية، توقعت خلال وقت سابق، أن يبلغ عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن 23.4 مليون شخص بنهاية العام الجاري 2022، وعدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد 19 مليون شخص، في الوقت الذي أكد برنامج الغذاء في آخر تحديث له في أغسطس الماضي، أن اليمن شهد أسوأ مستوى من التدهور في حالة انعدام الأمن الغذائي منذ أربع سنوات.
 
ورغم أن ما يحدث من انهيار للأمن الغذائي وتعميق للأزمة الاقتصادية في البلاد، مرتبط بتأثيرات وتبعات أسعار السلع العالمية المرتفعة التي ضاعفت الضغوط التضخمية، وفاقمت انعدام الأمن الغذائي في البلد، إضافة إلى العوامل الداخلية المتمثلة بصدمات اضطراب العملة وتدهور القطاعات المنتجة للغذاء والهجرة المطردة من القطاع الزراعي الذي يعد من أهم القطاعات المنتجة للغذاء والمشغلة للأيدي العاملة، إلا أن هذا لا يعفي الحكومة والمجلس الرئاسي، من مسؤوليتهم عن وضع الحلول العاجلة لاحتواء الأوضاع، والتحرك لحشد الدعم الإقليمي والدولي، وتنفيذ الإصلاحات الداخلية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر