تحقيق استقصائي لـ"ذا انترسبت": مئات الأسر اليمنية- الأمريكية عالقة بجيبوتي تعاني قسوة قرار "ترامب" بحظر السفر (ترجمة خاصة)

[ يمنيون من أصل أمريكي توافدوا إلى شركة محاماة امريكية في جيبوتي للحصول على مساعدة لأعفائهم من الحظر/ تصوير: مالوري موينك ]

 كشف تحقيق استقصائي لصحيفة "ذا انترسبت" الأمريكية، عن معاناة مئات الأسر اليمنية في جيبوتي، حيث تعيش ظروفا صعبة ومؤلمة منذ أشهر، بسبب قرار الرئيس الأمريكي بحظر سفر مواطني سبع دول إلى الولايات المتحدة، بينها اليمن.
 
واستشهد التحقيق المطول، الذي ترجم "يمن شباب نت" أهم ما فيه، بتقرير نشره مركز الحقوق الدستورية لمنظمة الدفاع القانونية، قدر فيه أن "1,000 جواز سفر مملوك لأسر يمنية من مواطني الولايات المتحدة تم احتجازها في السفارة (الأمريكية) في جيبوتي اعتبارًا من مارس/ آذار الماضي".
 
وقد ازدادت معانات تلك الأسر اليمنية، التي تعتبر معظمها حاصلة على الجنسية الأمريكية، بشكل أكبر بعد إصدار المحكمة الأمريكية العليا حكما، في 26 يونيو/ حزيران الماضي، قضى بتأييد قرار الرئيس الأمريكي ترامب بحظر سفر مواطني الدول السبع إلى أمريكا.
 
وقالت كاتبة التحقيق الاستقصائي، الصحفية مالوري موينك، إن "المئات، إن لم يكن الآلاف، من اليمنيين الأميركيين الذين فروا من بلادهم بسبب الحرب التي لها ثلاث سنوات، قد تقطعت بهم السبل في جيبوتي، حيث أصبحوا عالقين هناك بسبب قرار حظر السفر، الذي أوقف عمليا الهجرة من اليمن- تم إيقاف منح تأشيرات العمل أو الزائر أو اليانصيب أو تأشيرات لم شمل الأسر اليمنية".
 
وأضافت: "وعلى الرغم من إعفاء اللاجئين، إلا أن وصولهم تراجع (نتيجة الإجراءات الجديدة)، ويقول المدافعون القانونيون إن المتقدمين (بطلبات لجوء) من الدول المحظورة يواجهون معالجات إضافية".
 
وأكدت الصحفية (التي تنشر لها عدد من وسائل الاعلام العالمية، بينها الجزيرة الإنجليزية وصحف هندية وأوروبية)، أنها التقت بعدد 14 أسرة يمنية -أمريكية عالقة في جيبوتي، تضم أكثر من 50 شخصا، بينهم أطفال، كما تحدثت، في هذا الشأن، مع محامين ومدافعين عن المهاجرين، وقادة جاليات يعرفون المئات من الأسر الأخرى المهاجرة، والذين تم منعهم.
 
وضمن تحقيقها، أوردت الكاتبة قصص متنوعة لعدد من الأسر اليمنية- الأمريكية العالقة والمحاصرة في جيبوتي، بينها قصة امرأة يمنية اسمها ملكة العفيف، التي افتتحت تحقيقها بسرد مأساتها الحزينة.
 
 
 أرادت "ملكة العفيف" أن تسافر إلى الولايات المتحدة لتلم شملها بزوجها وولدها "داؤد" البالغ من العمر 13 عام، والذي كان قد سبقها وحصل على تأشيرة للانضمام إلى والده في أمريكا في ديسمبر/ كانون الأول، غير أنه تم رفض منحها التأشيرة في مارس/ آذار، بموجب قرار الرئيس ترامب بحظر سفر مواطني سبع دول بينها اليمن، موطنها الأصلي.
 
كانت السيدة اليمنية قد علقت آمالها الأخيرة على المحكمة الأمريكية العليا. ولكن منذ أن أيدت المحكمة الحظر الشهر الماضي، فإنها الآن تشعر باليأس من لم الشمل مع زوجها وابنها.
 
حاليا، يعيش ابنها "داؤد" في ميتشيغن مع أسرة صديقة للعائلة، بعيدا عن والده الذي يعمل في وظيفتين في كاليفورنيا ولا يمكنه الاعتناء به. بينما تقيم الأم مع ثلاثة من أبنائها (أكبر من داؤد)، في دولة جيبوتي الأفريقية، حيث أجريت معهم هناك مقابلات للحصول على تأشيرات، بعد أن أغلقت السفارة الأمريكية في اليمن بسبب الحرب.
 
وخلال آخر مكالمة فيديو بين الأم والابن، كلاهما حطمهما البكاء. قال الأبن: "أنا حقا أفتقد والدتي وأريد أن أكون معها". وأضاف: "لا أستطيع تحمل البقاء وحيدا".
 
في شقتها بجيبوتي، وسط حرارة الصيف المحرقة، كانت أمه تجلس على أريكة تمسح دموعها من تحت البرقع (الخمار). قالت للصحيفة: "نحن نؤمن بمعجزة بلاد الحرية، ونأمل في يوم من الأيام أن نلتقي في ذلك المكان ونعيش مثل أي مواطن أمريكي في سلام وأمان".
 
تعلق الصحفية بالقول: بعد قرار المحكمة العليا، تواجه العفيف الآن خيارًا مؤلمًا: إما الانتظار في جيبوتي مع أمل ضئيل في الحصول على تأشيرة، وإما العودة إلى منطقة حرب، حيث تخشى أن يتم تجنيد أبنائها الكبار للقتال.
 
وقالت الأم: "إنه مستقبل مجهول- بين نارين- السفر إلى اليمن أو البقاء هنا لتحمل النفقات في جيبوتي".
 
تضيف الصحفية: في هذا البلد الصغير في القرن الإفريقي، تكتسي الشوارع بغبار مليء بالنفايات، وترسل الشمس ما يصل إلى 110 درجة فهرنهايت في الصيف. يقول اليمنيون أن الإيجار أعلى بستة أضعاف مما هو عليه في بلادهم. يكافح الرجال للعثور على عمل ولا يستطيع الأطفال الذهاب إلى المدرسة بسبب الحواجز اللغوية والتكلفة. وفي بعض غرف المعيشة اليمنية، الأثاث الوحيد هو الحقائب.
 
تورد الكاتبة تشكيلة من قصص لمعاناة أسر يمنية- أمريكية أخرى، نوجزها هنا كالتالي:

"كان رضوان ناجي قد اشترى هدية عيد الميلاد لابنته البالغة من العمر سنة واحدة والتي لم يلتقيها بعد، لكنه كان على أمل أن يحظى برؤيتها قريبا بعد إجراء المقابلة مع القنصلية. ومنذ رفضت تأشيرته، أصبح يساوره القلق باستمرار بشأن حالة زوجته، المواطنة الأمريكية التي تعيش في كاليفورنيا، والتي تم تشخيص اصابتها بالاكتئاب".
 
"جمال العميسي، الذي يكافح من أجل المشي بسبب حالة حبله الشوكي، لا يمكنه أن يتصور أن السفارة لن تنظر في حالته الصحية عندما تقرر ما إذا كان بإمكانه الانضمام إلى زوجته في كاليفورنيا، أم لا"..!
 
"المواطن الأمريكي صلاح حسين، لمدة أربعة أشهر وهو في جيبوتي ينتظر تأشيرات أسرته. ثلاثة من أطفاله الخمسة هم أيضا مواطنون أمريكيون، لكنه لم يكن قادراً على رعايتهم بدون زوجته، التي تم رفض تأشيرتها. كما أنه يساعد ابن أخيه البالغ من العمر 3 سنوات، الذي قال إنه يبكي كل يوم لأن طلب الطفل المدرج للانضمام إلى أمه، المواطنة الأمريكية، قد رُفض".


 
"إسماعيل الغزالي، وهو مواطن أمريكي آخر، يحاول إحضار زوجته وشقيقته المعاقة وإبنه البالغ من العمر خمسة أشهر إلى نيويورك، تساءل: كيف تشكّل عائلته تهديدًا للأمن القومي؟".
 
وقال الغزالي: "هل سمعت عن أي حالة لشخص مثل زوجتي تأتي إلى الولايات المتحدة وتفجير نفسها أو تقوم بأي شيء من هذا القبيل؟". وأضاف: "أنا واحد من الأشخاص الذين يريدون أن تكون الولايات المتحدة آمنة من كل هذه الأشياء - ولكن ليس بهذه الطريقة، تفريق الأسر".
 
وأشارت الصحفية إلى أن اليمنيين ظلوا يهاجرون إلى الولايات المتحدة على مدى قرن من الزمان، ومنذ الستينات بشكل خاص. وفي عام 2016، تجاوز عدد اليمنيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة أكثر من 60 ألف شخص ولدوا في اليمن، وفقا لبيانات التعداد. وغالباً ما جاء الرجال بمفردهم للعمل بهدف إحضار عائلاتهم بعد أن يؤسسوا أنفسهم. لكن هذا النمط انقلب عندما بدأت الحرب في اليمن في أوائل عام 2015.
 
وأضافت: عندما بدأت الحرب وأغلقت السفارة الأمريكية في اليمن، أغرق أفراد عائلات المواطنين الأمريكيين السفارة في جيبوتي بطلبات التأشيرة. وعلى مدى السنوات الثلاث التالية، غادرت العديد من هذه العائلات اليمنية عندما سمح لها بإجراء مقابلات في جيبوتي.

وطار المحظوظون مباشرة من مدينة عدن الجنوبية، ولكن عندما اندلع القتال وانتشرت الأمراض المعدية، تم اغلاق المطار في معظم الأحيان. واضطر اللاجئون إلى السفر بواسطة سفن شحن الماشية عبر مضيق باب المندب، المعروف باسم "بوابة الدموع" لأنه كثيرا ما يودي بحياة المهاجرين. واجتاز آخرون حواجز الطرق وعبروا الحدود إلى عُمان للالتحاق برحلة طيران إلى السودان، حيث انتظروا أسبوعًا على الأقل للحصول على تأشيرات دخول إلى جيبوتي.
 
عندما تم تنفيذ النسخة النهائية من الحظر في ديسمبر/ كانون الأول، عمت الفوضى. حيث تم إبطال الموافقات على التأشيرات التي كانت قد أصدرت على الورق في وقت مبكر من يونيو/ حزيران من العام الماضي، إلا أنها لم تكن قد عوجلت بشكل نهائي. ففي بعض الحالات، حصل الأطفال على تأشيرات دخول، لكن أمهاتهم لم يحصلن عليها، أو العكس.
 
بعد أسبوعين من سريان الحظر، ذكر المحامون والمدافعون عن المهاجرين أنه تم استدعاء ما يقرب من 250 يمنيًا إلى السفارة وتم رفضهم بشكل جماعي. أشواق مقبل، التي يعيش زوج أمها، المواطن الأمريكي، في سياتل، تتذكر بكاء عائلتها بأكملها في ذلك اليوم عندما أخذوا جوازاتهم من المسئول القنصلي. لا تزال تأشيرتها قيد المعالجة، ولكن أطفالها الثلاثة حُرموا.
 
وفي لقاء معها في شقة أحد الأصدقاء، قالت الأم: "أتمنى أن يسمحوا لأطفالي بدلاً مني"، "أنا، فقط، أريد لهم مستقبلاً أكثر إشراقاً، هذا كل شيء". وأضافت: "لا سيما وأن حكم المحكمة العليا مع قرار ترامب، كان حقا مدمر لنا جميعًا".
 
تواصل الصحيفة: تلقى اليمنيون في جيبوتي، الذين أجروا مقابلة الحصول على تأشيرة دخول بعد شهر ديسمبر/ كانون الأول، ورقة من صفحة واحدة تفيد بأنهم غير مؤهلين للحصول على تأشيرات بموجب الإعلان الرئاسي، متبوعاً بخيارين: لم يتم منح أعفاء، أو الطلب قيد النظر لمنح اعفاء.
 
وتوضح الكاتبة أن الإعفاءات، بموجب قرار حظر السفر، لا تُمنح إلا إذا قررت الحكومة الأمريكية أن رفض التأشيرة قد يتسبب في مشقة لا داعي لها، وأن إصدارها يكون في مصلحة الولايات المتحدة، وأن مقدم الطلب لا يمثل خطرًا أمنيًا.
 
وقال مسؤول في وزارة الخارجية إن ما لا يقل عن 655 من مقدمي الطلبات قد تم إجازتهم للحصول على اعفاءات خلال الفترة من ديسمبر/ كانون الأول 2017، إلى مايو/ أيار 2018، في جميع أنحاء العالم.

[تعليق المترجم: يبدو من الواضح أن ذلك قد منح مقدمي الطلبات المرفوضة، ومحاميهم والمدافعين عنهم، أملا بإمكانية الحصول على اعفاء إذا قدموا مبررات دامغة، ما جعل الكثير منهم يواصلون البقاء في جيبوتي وصرف المزيد من الأموال على أمل الحصول على الإعفاء الذي لم يصلهم بعد منذ أشهر..].
 
وفي هذا السياق، تشير الكاتبة، إلى أن عشرات المواطنين (اليمنيين) الذين هم بأمس الحاجة للمساعدة ممن رُفض منحهم تأشيرات بعد الحظر، ازدحم بهم مكتب شركة المحاماة الأمريكية، غولدبيرغ وشركائه، في جيبوتي بعد أسبوع من صدور حكم المحكمة العليا. وقد جاءوا لتقديم معلومات إضافية للسفارة بشأن الصعوبات التي تواجه عائلاتهم للنظر في منحهم اعفاءات (استثنائية)- على الرغم من عدم وجود عملية طلب رسمي للقيام بذلك. حسب ما ورد في التحقيق الاستقصائي.
 
وقال لي ويتيكر، وهو متدرب من غولدبرغ وشركاؤه، إنه ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار منح كافة اليمنيين اعفاءات بسبب الحرب المستمرة. وقبل شهرين، بدأ بتجميع قائمة بمقدمي الطلبات اليمنيين ووصف لقضاياهم، والتي كان يشاركها مع السفارة. وإجمالاً، لخص قصص معاناة 292 فرد. وقال إنه فعل ذلك لأنه كان قلقاً من أن مقابلات التأشيرة - التي قال إنها لا تدوم سوى 15 دقيقة كحد أقصى- لا تغطي جميع المعلومات اللازمة للنظر في طلبات الحصول على إعفاءات.
 
تشير الصحيفة، إلى أنه، وقبل المرافعات الشفوية للمحكمة العليا في أبريل / نيسان، بدأ بالفعل بعض مقدمي الطلبات الذين تم رفضهم بتلقي رسائل بريد إلكتروني تخطرهم بأن طلباتهم قيد النظر للحصول على اعفاء- وزاد العدد في الأشهر التالية. وقالت ديالا شماس، وهي محامية في مركز الحقوق الدستورية، إنها لا ترى أي منهجية في اختيار من تأخذ طلباتهم بعين الاعتبار أم لا. وأشارت إلى ان الحالات الوحيدة التي تمت الموافقة عليها هي حالات حظت باهتمام كبير من الرأي العام.
 
وتستشهد الصحيفة بعائلة شيما العمري، وهي فتاة تعاني من شلل دماغي، والتي منحت اعفاءا بعد أن سلطت وسائل الإعلام الضوء على قصتها وعلى الحجج الشفوية التي قدمتها المحكمة العليا. وهناك سبعة عشر عائلة كان قد تم ابطال المصادقة على تأشيراتها ليحصلوا عليها مؤخرا بعد صدور قرار الحظر بموجب أمر قضائي بعد أن كسب محام القضية نيابة عنها. ولا تعرف شماس أي أعفاءات أخرى غيرها تم منحها في جيبوتي.
 
وقالت شماس "أعرف حالات من الواضح أنها يجب أن تكون ضمن فئة الاستحقاق لكنها لم تتلق أي إشعار بإعادة النظر في حالتها". "إن الافتقار إلى الشفافية في هذا الشأن مثير للقلق بشكل خاص لأنه يؤثر على حياة العديد من الأشخاص، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين والمقيمين الدائمين بشكل قانون والذين لا يستطيعون إحضار عائلاتهم. لا يمكن ترك الأمر لعملية مبهمة وعديمة المنطق".
 
وشكك معارضو القرار الذي أصدره قاضي المحكمة العليا ستيفن براير في يونيو/ حزيران بشان إذا كانت عملية الاعفاءات تطبق بشكل عملي فعال. حيث تعتبر الإعفاءات هي طوق النجاة الوحيد بموجب الحظر، والدليل الوحيد للحكومة على أن الإعلان (قرار الحظر) لا يرقى إلى مستوى التمييز الواسع.
 
وقالت يولاندا روندون، محامية موظفة في اللجنة الأمريكية- العربية لمناهضة التمييز: "إذا لم يقوموا بتطبيق اجراءات الإعفاء، فسيكون ذلك عاملا حاسما أو مميزا فيما إذا كان للعداء الديني دور" في تخاذ القرار.
 
وتلفت الصحيفة إلى القول: وحتى إذا كان مقدمو الطلبات يحظون باهتمام للنظر في الإعفاءات، فإنهم يخضعون لمراجعة أمنية ليس لها فترة زمنية محددة- مما يزيد من تمديد حالة الاهمال مع أمل ضعيف في النجاح.
 
وبحسب كاتبة التقرير، فقد رفضت السفارة الأمريكية في جيبوتي طلب مقابلة، ولم تقدم أرقامًا عن الطلبات اليمنية للحصول على التأشيرات. وقال بيان أرسل بالبريد الإلكتروني من مسؤول في وزارة الخارجية إن المكتب يعالج وسيستمر في معالجة طلبات التأشيرة على أساس تنفيذ الحظر وقرار المحكمة.
 
وعليه تقول كاتبة التحقيق، أنه ومنذ قرار المحكمة العليا، اختار العديد من اليمنيين الحرب على الانتظار. ويقدر عمرو تيتو، الذي يعمل مترجما في دائرة الهجرة اليمنية في جيبوتي، أن ما لا يقل عن 500 شخص غادروا في الأسبوع الذي أعقب الحكم، وأكثر من هذا العدد يقومون بحجز الرحلات الجوية كل يوم.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر