الهدنة الأممية في اليمن بين تمديدين.. البحث عن السلام أم مصالح المجتمع الدولي والتحالف والميليشيات؟

[ السفير السعودي لدى اليمن في إجتماع مع المبعوث الأممي وطاقمة بالرياض ]

  قبل أيام، تم الإعلان على اتفاق تمديد للهدنة القائمة بين الحكومة اليمنية الشرعية وميليشيات الحوثي المتمردة على السلطة، لمدة شهرين إضافيين. وهي المرة الثانية التي يتم فيها تمديد الهدنة منذ بدأ العمل بها مطلع أبريل/ نيسان الماضي، بوساطة أممية عن طريق المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
 
وحظي إعلان التمديد بدعم وترحيب دولي وعربيا واسع، وسط دعوات لانتهاز هذه الفرصة لتحقيق سلام دائم ووقف الحرب في البلاد.
 
وعلى ما يبدو، فأن التعقيدات في الوضع اليمني الراهن، حالت- وما زالت تحول- دون استفادة الشعب اليمني من هذه الهدنة، سواء في الجانب الأمني والإنساني، أم في الجانب المعيشي والاقتصادي، لا سيما في ظل استمرار الخروقات المتكررة من قبل الميليشيات الحوثية، بما في ذلك رفضها فتح الطرقات في عدد من المحافظات، وخصوصا مدينة تعز المحاصرة.
 
فقبل أيام قليلة من إعلان المبعوث الأممي التوصل لاتفاق التمديد الأخير في الثاني من أغسطس/ آب الجاري، أقامت ميليشيات الحوثي عروضا عسكرية في صنعاء وذمار وتعز، في رسالة تهديد واضحة بعدم تخليها عن خيار الحرب لأجل السلام. الأمر الذي يتعارض كليا مع مزاعم المبعوث الأممي، ومعه المجتمع الدولي، من أن الهدنة جاءت لتساعد على التهدئة وتعيد الثقة بين الأطراف، تمهيدا للتوصل إلى سلام دائم في البلاد التي طحنتها الحرب منذ انقلاب مليشيات الحوثي على السلطة الشرعية في سبتمبر/ أيلول 2014.  
 

الهدنة في أجندة المجتمع الدولي
 
"تظلّ الهدنة أهمّ فرصة للسلام وحماية المدنيين، حيث أوجدت أساسًا مستقرًّا للتقدم في المحادثات على المسارات الاقتصادية والأمنية، والشروع في مناقشات متعمّقة وشاملة على المسار السياسي". هكذا أعرب مجلس الأمن الدولي، في بيانه الأخير، عن غبطته لتمديد الهدنة في اليمن.
 
من وجهة نظر المجتمع الدولي، تُقَدَّم الهدنة الأممية، منذ بدأت قبل أربعة أشهر، على أنها الحل التمهيدي الأنسب، العاجل والضروري، لتخفيف الضرر عن الشعب اليمني جراء الحرب وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية الكارثية المختلفة، ضمن عملية سياسية طويلة تنتهي إلى حل شامل لإنهاء الحرب وتحقيق السلام.
 
والواقع هنا، أن الدول الراعية للهدنة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لا يبدو أنها تسعى فعلا لإيجاد تصورات وحلول حقيقية نحو تحقيق سلام دائم في اليمن، وفقا لمراقبين محليين ودوليين، بقدر ما يتضح لنا أنها إنما تسعى لخدمة أجنداتها ومصالحها الدولية والإقليمية، من خلال حرصها على استمرار التهدئة في المنطقة عبر فرض مثل هذه الهدنة، غير المتكافئة في شروطها ونتائجها بين طرفي الحرب (الحكومة الشرعية، والميليشيات الانقلابية المتمردة).
 
 منذ انتخابه أواخر العام 2020، ظل الرئيس الأمريكي جو بايدن يرفض التعامل مع المملكة السعودية كحليف استراتيجي لواشنطن، بحجة تورطها في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حتى اضطرته تداعيات ونتائج حرب روسيا على أوكرانيا، إلى كسر تلك العزلة المفروضة بإجراء أول زيارة له إلى المملكة في منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي. وفي وقت لاحق، تباهى بايدن أن تمديد الهدنة في اليمن يمثل أحد أهم نتائج وثمار زيارته تلك إلى الرياض.
 
وعلى ضوء تلك التصريحات، التي تكررت من بايدن ومسئولين آخرين في إدارته، أمكن التأكد من وجود ضغوطات دولية على الحكومة اليمنية للقبول بتمديد الهدنة، حتى دون وجود ضمانات، أو مؤشرات، لإلزام ميليشيات الحوثي بتنفيذ كامل بنود الهدنة التي تخلفت عنها في الأشهر الأربعة الماضية. إذ كان الأهم، بالنسبة لواشنطن، الحصول على موافقة السعودية للتمديد، باعتبارها صاحبة القرار الأول في المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية.
 



هدنة للميليشيات

كرأي مجمع عليه من قبل الكثيرين، ينظر الصحفي اليمني عبد العزيز المجيدي إلى هذه الهدنة باعتبارها جزء من "إرادة خارجية". فهي كما يؤكد جاءت كـ "خلاصة لمحادثات وتفاهمات، خاضتها المملكة العربية سعودية مع الحوثيين عبر العاصمة العمانية مسقط".
 
ويجزم المجيدي، ضمن حديثه لـ "يمن شباب نت"، على عدم وجود أي دور للحكومة الشرعية في اليمن بشأن الموافقة على هذه الهدنة أو قرارات تمديدها بعد ذلك، الأمر الذي يعزى إليه السبب "في عدم استفادة اليمنيين من هذه الهدنة على الأرض".
 
وفي المقابل، يرى المجيدي أن ميليشيا الحوثي حصلت على مكاسب كبيرة، وجنت مكاسب مالية ضخمة من وراء السماح بدخول سفن المشتقات النفطية، التي استغلتها برفع أسعارها بصورة غير مسبوقة لمضاعفة مكاسبها من ظهر الشعب. في الوقت الذي منحتها الهدنة حرية أكبر للتحرك، من خلال اتاحة الرحلات المباشرة من صنعاء إلى دول أخرى، مع اعتماد الوثائق الصادرة عنها، في حين يعرف الجميع كيف قامت الميليشيات بتزوير بيانات السجل المدني والتلاعب فيه منذ بداية الحرب، ومنحت عناصر ايرانية ولبنانية وعراقية وثائق سفر يمنية.
 
وفي واقع الأمر، يرى المجيدي أن الهدنة الحقيقية "كانت بين الحوثيين والسعودية"، في إشارة إلى توقف الهجمات الجوية بين الطرفين، مشيرا إلى أن هناك من يريد لهذه الهدنة أن تستمر بهذه الطريقة: أي فقط "لوقف هجمات الحوثي الجوية على دولتي التحالف، مقابل ابعاد طيران الأخيرة عن المعركة، تمهيدا لتخلي التحالف عن مسؤوليته حيال ملف الحرب، سيما بعد إعادة صياغة الشرعية بتلك الطريقة التي شاهدناها. حد قوله
 
أما على المستوى الداخلي، لم يستفد اليمنيون من تلك الهدنة. فكما يشير المجيدي: فقد استمرت هجمات الحوثيين على المدنيين والمواقع العسكرية، وارتكبت الميليشيات مجازر بحق اليمنيين في ظل هذه الهدنة، كما حدث بتعز، (المدينة التي تواصل ميليشيات الحوثي الإيرانية محاصرتها، رافضة تنفيذ بقية بنود الهدنة بخصوص فتح أي طريق رئيسية إليها)..!!
 
وبسبب ذلك يتهم كثيرون، بمن فيهم الصحفي المجيدي، المبعوث الأممي، والقوى الكبرى كأمريكا وبريطانيا، ودول أخرى، بالانحياز الواضح، كونها "لم تمارس أي ضغط على الحوثي لرفع الحصار عن تعز.. بل ذهبت لتكثيف ضغوطها على الشرعية للقبول بتمديد الهدنة دون أي التزامات من الحوثي"، طبقا للمجيدي، الذي أتهم أيضا دولتي التحالف العربي (السعودية والأمارات)، بالسعي نحو "تطبيع" علاقاتها مع الحوثيين مباشرة، بعد تطبيعها مع حلفائهم الإيرانيين، كما فعلت الإمارات طوال الفترات الماضية، ولحقتها السعودية مؤخرا بتسريع وتيرة تفاهماتها مع إيران عبر العراق.
 
وينوه المجيدي إلى أن "هناك من يسعى لتحويل هذه الهدنة إلى صيغة لمشروع سلام دائم، في حين ان الأمر ينصرف حصريا إلى وقف هجمات الحوثيين على السعودية، مقابل وقف غارات الطيران السعودي بشكل نهائي، مع إبرام تفاهمات بينية، بينما يظل الجرح اليمني الداخلي مفتوحا كنزيف مستمر".
 
ومع ذلك، يقرر المجيدي أن "الهدنة لن تنجح، حتى بهذه الصيغة..!! فتعقيدات الوضع الداخلي لا تسمح بمثل هكذا تفاهمات"، لافتا إلى أنه "حتى وإن قبلت ميليشيا الحوثي، مرحليا، هذه الصيغة في تفاهمات مع المملكة، فلن تتخلى عن مساعيها لإثارة قلق الرياض".
 
وأوضح: "ذلك أن ارتباط هذه الميليشيات العضوي بإيران، يجعل منها ورقة للضغط على الرياض، وتحريكها في أي لحظة كأداة نشطة تساعد في تعزيز النفوذ الايراني وموقفها التفاوضي في ملفات أخرى".
 
 


فرصة لسلام حقيقي
 
كما سبق وأن أشرنا، لا يبدو أن ضغوطات المجتمع الدولي لتمديد الهدنة في اليمن، تنطلق من رؤية واضحة لإيجاد سلام حقيقي ودائم في المنطقة، بقدر ما جاءت تلبية لمصالح واهتمامات هذا المجتمع الدولي، الذي يسعى لخفض التصعيد في اليمن لضمان استمرار تدفق النفط، في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية مع روسيا.
 
هذا ما يؤكده رئيس اللجنة التنفيذية بمجلس المقاومة الشعبية والإسناد في أمانة العاصمة العقيد أحمد الأشول، الذي يرى أن قراءة الأحداث الدائرة في اليمن "ينبغي ألا تنفصل عن قراءة الأحداث المحيطة، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، فاليمن جزء مهم في الوطن العربي والشرق الأوسط وخارطة العالم عموما".
 
ومع توضيحه لـ "يمن شباب نت" أن مجلس المقاومة الشعبية ينظر للهدنة كتوجه أقرته القيادة السياسية "ونحن لا نخالفها"، إلا أنه- من زاوية أخرى- دعا إلى أهمية النظر للأمر وفقا للتساؤل: ماذا استفاد المواطن اليمني من هذه الهدنة!؟ معقبا: "لا شيء على الاطلاق".
 
وأضاف: الجهة الوحيدة المستفيدة من الهدنة حتى الآن هي الميليشيات الحوثية، التي استفادت من نهب المال العام لصالح قياداتها، وترتيب صفوفها ومواقعها، متسائلا في هذا الصدد عن مصير واردات ميناء الحديدة؟ وماذا استفاد المواطن من هذه الإيرادات؟!.
 
ولكن ماذا عن مزاعم المجتمع الدولي بخصوص ما يمكن أن تقدمه الهدنة لليمنيين من فرصة لتحقيق السلام؟!. من حيث المبدأ؛ لا ينكر العقيد الأشول من أن أي هدنة بحد ذاتها، من الممكن تشكل فرصة لوقف الحرب وتحقيق السلام، مستدركا: "إلا أن الواقع يثبت أن الميليشيات الحوثية الإجرامية لا تؤمن بسلام أو هدنة، بل تؤمن بما يمكن أن يحقق أطماعها فقط... ولا يهمها النظر للواقع اليمني، بدليل أنها لم تف بشي من شروط الهدنة: لم تسلم الرواتب ولم تفتح الطرقات".
 
وأضاف: "الشعب اليمني تواق للسلام، لكنه يريد سلاماً عادلا وشاملا، ويكون قائما على الأسس والمرجعيات الثلاث المعترف بها دوليا.."، مشددا: "وبدون ذلك، فأن السلام المزعوم إنما يؤسس لمعركة قادمة أكبر..".
 
وللاستفادة الحقيقية من الهدنة، دعا العقيد الأشول المجتمع الدولي، وخصوصا من يرعون هذه الهدنة، إلى ممارسة ضغوط قوية لإجبار ميليشيات الحوثي على الالتزام بتنفيذ بنود الهدنة. وليس كما يحدث حاليا "حيث يتعامل المجتمع الدولي مع الميليشيات الحوثية كما تتعامل الأم مع الطفل المدلل، للأسف الشديد".
 
وتابع: فالمجتمع الدولي منح الميليشيات مالم تكن تحلم به، ومقابل ذلك لم تنفذ 5% مما التزمت به. لذلك لا بد من الضغط على الميليشيات الحوثية إذا استمرت في تمردها وخروقاتها، من خلال التهديد بإعادة النظر في كل ما منحته الهدنة لهم، بما في ذلك إغلاق مطار صنعاء، وإيقاف وصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وغيرها من الامتيازات.. كما أقترح أن تكون الإيرادات، التي تستلمها ميليشيات الحوثي، بنظر المجتمع الدولي حتى لا يتم التلاعب بها كما حدث من قبل..!!
 
 وفي المقابل أيضا، دعا الحكومة اليمنية إلى أهمية استكمال الجانب الاقتصادي، والنظر في وضعية البنك المركزي، إذ لم يعد هناك مبررا لعرقلة هذا الجانب، خصوصا مع تشكيل المجلس الرئاسي وعودته للعمل من الداخل.
 
وعلى المستوى العسكري شدد العقيد الأشول، على ضرورة "بناء الجيش اليمني بشكل نوعي من خلال تدريب وتأهيل كوادره ومنحه استحقاقاته، حتى يكون قادر على الردع والحسم في قادم الأيام، في حال حدث شيء من الميليشيات الحوثية، كون الخيانة متوقعة منها في أي وقت وتحت أي ظرف". كما يقول.
 

لا حل إلا بالمقاومة
 
وعقب إعلان المبعوث الأممي الموافقة على تجديد الهدنة، الأسبوع الماضي، تداعت قيادات في مجالس المقاومة الشعبية بالمحافظات، للتعبير عن رفضها للهدنة من طرف واحد، مشددة على ضرورة استمرار المقاومة الشعبية ضد مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، بشتى الوسائل المتاحة.
 
وخلال ندوة أقيمت بمحافظة مأرب بعنوان "الهدنة من طرف واحد.. المخاطر والمألات"، قال الشيخ يحيى منصر- رئيس مجلس المقاومة الشعبية بمحافظة الحديدة، قائد قبائل الزرانيق- إن "المقاومة الشعبية هي من أوجدت النظام الجمهوري عام 1962، وهي التي ستدافع عنه اليوم، لتبقى الجمهورية شامخة إلى الأبد".
 
وأضاف، "أنه لا وجود للهدنة منذ البداية، ولا يمكن لمليشيا الموت، التي تدّعي الحق الإلهي في الحكم، أن تتعايش مع جمهوريتنا، ولأجل ذلك ستبقى جذوة المقاومة الشعبية مشتعلة ولن نتوقف حتى نحرر كل المحافظات اليمنية".
 
من جانبه أشار محمود القرشي عضو مجلس المقاومة الشعبية بإقليم عدن، إلى أن المقاومة "بدأت مع أول ظهور فج لمليشيا الحوثي الإرهابية، واستمرت بالكفاح ولن تتوقف حتى تتحقق كامل الأهداف". وأردف: "اليمن ارتوت بدماء خيرة أبنائها، وهم يقاومون ميليشيا الإرهاب، ونحن على عهد نضالهم ماضون، ونجدد الولاء والعهد لهم أننا لن نتوقف حتى تحرير كامل اليمن".
 
بدروه قال الشيخ عارف ناهض وكيل محافظة الجوف إن "من مخاطر الهدنة طغيان المليشيا الحوثية في مناطق سيطرتها، وإرهاب المجتمع بكل الوسائل القذرة"، مضيفا: "وهذا يدعونا للعمل الجاد من أجل الحسم العسكري للحفاظ على أبناء شعبنا"، مشددا في الوقت ذاته على تفعيل الحضور الشعبي المساند للمقاومة الشعبية بكل الوسائل.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر