"يجب أن تكون أولوية دولية".. مجلة أمريكية: لابد للعالم من كسر جدار اللامبالاة تجاه الحرب في اليمن

[ يجب أن يكون إنهاء هذا الصراع المروع في اليمن أولوية دولية (إيرين نيوز) ]

قالت مجلة أمريكية "لابد للعالم من كسر جدار اللامبالاة حول الحرب في اليمن"، مؤكدة ضرورة أن يكون إنهاء هذا الصراع المروع أولوية دولية، وأشارت إلى أن الاهتمام بالحرب المستمرة في اليمن منذ عام 2015، ظل محدودًا باستمرار، سواء بين الدبلوماسيين أو وسائل الإعلام أو عامة الناس.
 
ووفق تقرير لمجلة جاكوبين «Jacobean» - ترجمة "يمن شباب نت" - "يعد عدم الاهتمام بحرب اليمن أمراً مثيراً للدهشة خصوصاً عندما يفكر المرء في التداعيات الأوسع لها في الشرق الأوسط، حيث شملت تلك التداعيات التعدي الإيراني على اليمن من خلال دعم طهران لجماعة الحوثيين المتمردة، وكذا القصف الجوي اليومي من قبل السعودية والإمارات، بتسليح من قبل شركات عسكرية غربية".
 
وأشار التقرير، هذه اللامبالاة تكون أكثر إثارة للحيرة عندما يأخذ المرء في الاعتبار الانتهاكات المتعددة للقانون الدولي التي حدثت في اليمن والمأساة الإنسانية الهائلة التي نتجت عن الصراع، وبحسب أرقام الأمم المتحدة، أودت الحرب بأربعمائة ألف ضحية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنها لا تزال تحت الرادار إلى حد كبير في الغرب وكذلك في الدول العربية.
 
وتستعرض المجلة الأمريكية في تقريرها كتاب صدر حديثاً عن الصراع في اليمن للباحثة البريطانية، هيلين لاكنر، بعنوان "اليمن: الفقر والصراع"، وقالت: "بأن الأكاديميين استغرقوا بعض الوقت لتقديم صورة واضحة عن الصراع اليمني من خلال كتب باللغة الإنجليزية في متناول جمهور عريض، حيث ضربت مثل هذه الأعمال السوق تدريجيًا، لكن القليل منها يضاهي جودة وتماسك كتاب الباحثة لاكنر".
 

كسر حاجز الصمت
 
ويقول التقرير، بأن مؤلفة الكتاب ليست مبتدئة عندما يتعلق الأمر باليمن، حيث تتابع لاكنر وتحلل التطورات في البلاد منذ خمسة عقود كباحثة مستقلة، وكانت تركيزها الأولي على التجربة الاشتراكية لجنوب اليمن، والتي غطتها في كتاب مهم نُشر عام 1985، أعطاها نظرة ثاقبة مثيرة للاهتمام حول شؤون البلاد، وهي تمتلك سلطة لا يمكن إنكارها (بما في ذلك في نظر العديد من اليمنيين).
 
لطالما وضعت الباحثة هيلين لاكنر المجتمع اليمني في صميم نهجها، بدلاً من قضايا المصالح الجيوسياسية أو مساومة النخبة، وهذا يعطي كتاباتها جودة خاصة تتميز بالاهتمام بالناس العاديين وسبل عيشهم، على وجه الخصوص بحثت في قضايا الاقتصاد الجزئي في المناطق الريفية والحضرية، ومستويات المعيشة، وندرة المياه والتنمية.
 


في كتابها الجديد، ومن خلال تقديم الفقر وعدم المساواة كعوامل مركزية تساعد في تفسير الأزمة الدائمة وعدم الاستقرار في اليمن، طورت لاكنر نهجًا متوازنًا ومنخرطاً سياسيًا، إذ يمكن لتحليلها إطلاع الجمهور على تعقيدات وتشابكات الحرب في اليمن، حيث تعرض المؤلفة قدرة رائعة على وضع هذه الأمور في سياقها بطريقة يسهل الوصول إليها حيث أنها تحدد الجوانب الرئيسية لتاريخ اليمن المعقد، ويعتبر كتابها مساهمة أساسية في كسر حاجز الصمت الذي يحيط بالصراع اليمني.

كتابها (اليمن: الفقر والصراع) يظهر كيف ابتلي التاريخ الحديث للبلاد بضعف تخصيص الموارد، وسوء إدارة مؤسسات الدولة، والسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، والفساد على مستوى عالٍ، إذ كان الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، قد جمع ثروة بمليارات الدولارات على مدار فترة حكمه التي استمرت 33 عامًا في الوقت الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في عام 2012.
 
ووفق الكتاب، لم تؤد العقوبات الدولية ولا زوال صالح السياسي واغتياله في نهاية المطاف في عام 2017 إلى إعادة هذه المبالغ الطائلة إلى الشعب اليمني، فأبناء الحاكم السابق وأبناء أخيه يديرون ثروته الآن، والأرض والممتلكات التي يسيطر عليها أفراد عائلته في العواصم الغربية وكذلك في الإمارات ليست سوى قمة جبل جليدي، وهذا يرمز إلى إحدى المشاكل العديدة التي يواجهها اليمنيون عندما يتعلق الأمر بتوزيع الثروة والموازنة الوطنية والاقتصاد اليمني.
 
 
تاريخ الصراع
 
تقع اليمن في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، وتشترك في حدود برية مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وتقع عبر البحر من جيبوتي وإريتريا والصومال، لا تزال اليمن أفقر دولة في العالم العربي المعاصر، حيث عانى سكان البلاد البالغ عددهم ثلاثون مليون نسمة أو نحو ذلك أكثر من نصيبهم من الصراعات في التاريخ الحديث.
 
اندلعت الحروب القبلية المتكررة على المستوى المحلي بالتوازي مع حلقات أوسع من العنف، كانت هناك صراعات ضد الوجود العسكري العثماني في القرن السابع عشر وأوائل القرن العشرين، انتهى الاستعمار البريطاني حول ميناء عدن منذ منتصف القرن التاسع عشر في عام 1967 بعد حملة حرب عصابات أدت إلى قيام دولة جنوب اليمن، كذلك اندلعت حرب أهلية في الشمال خلال الستينيات بين الجمهوريين والملكيين، وشارك فيها الجنود المصريون بشكل مباشر لعدة سنوات.
 


كانت هناك عدة صراعات محدودة بين الدولتين اليمنيتين، الشمالية والجنوبية، قبل أن تتحدا في عام 1990، ليتبع ذلك اندلاع مواجهة مسلحة مرة أخرى في عام 1994 بمحاولة انفصال جنوبيين. وشهد العقد الأول من الألفية الجديدة قمعًا عنيفًا موجهًا ضد الحركات السياسية والدينية التي تشمل الانفصاليين الجنوبيين والجهاديين وصولا ً إلى الحوثيين، وهم جماعة ظهرت بين الأقلية الزيدية الشيعية.
 
وبحسب الكتاب، فإن الحوثيين هم العدو الرئيسي للعديد من الجهات الفاعلة المشاركة في الحرب الحالية - ولا سيما المملكة العربية السعودية - وهدف العقوبات الدولية، ازدادت سيطرتهم على العاصمة صنعاء والمناطق الأكثر كثافة سكانية في اليمن منذ بداية الحرب الحالية، وهذا يؤكد فشل الاستراتيجية العسكرية للحكومة السعودية وحلفائها، المحليين أو الدوليين.
 
كشفت قدرة الحوثيين على شن هجمات خارج الأراضي اليمنية من خلال ضربات الصواريخ والطائرات المسيرة، بفضل الدعم الفني للحكومة الإيرانية، على هشاشة دول الخليج العربية، كما أظهر الصراع اليمني مرة أخرى عجز القوى الدولية والإقليمية عن كسب "الحروب الصغيرة" التي تخوضها.
 
على غرار الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان، أو فرنسا في الجزائر ومنطقة الساحل، أثبتت المملكة العربية السعودية أنها غير قادرة على إنجاز مهمة بدت ممكنة على الورق، حيث ترى الباحثة لاكنر بأن عدم التوازن بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية من حيث المعدات العسكرية والتمويل والسيطرة على المجال الجوي لم يمكّن الأخير من تحقيق أي شيء ملموس أكثر من تدمير الأرواح البشرية والبنية التحتية.
 
 
صراعات الموارد واقتصاد الحرب
 
 في جميع أنحاء اليمن: الفقر والصراع، تقدم الباحثة لاكنر تاريخ البلاد كحالة من حالات بناء الدولة الفاشلة وتفكك الأمة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة، وهي توثق تاريخ إدراج اليمن في السياسة الدولية وكذلك مسؤولية النخب في البلاد عن أزمة مستمرة بدأت قبل الحرب الحالية بوقت طويل.
 
تُظهر الباحثة لاكنر أنه في سياق عملية تاريخية طويلة لتشكيل الأمة والدولة، قام القادة المحليون والقوى الدولية بالعديد من التشخيصات الخاطئة للوضع في اليمن والتي أتى نموها بثمن باهظ، ربما كان الأكثر ضررًا هو الطريقة التي تم بها استيعاب اليمن فيما يسمى بالحرب على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد 11 سبتمبر، حيث شجع ذلك السياسات الأمنية الوحشية وزاد من الخلافات بين الشعب اليمني وحكومته.
 


ويصف الكتاب أيضًا تأثير السياسات الاقتصادية النيوليبرالية الجديدة على المجتمعات وسبل العيش في الريف وكذلك المراكز الحضرية، إذ أدى تطوير المؤسسات شبه الحكومية، التي شجعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في التسعينيات، إلى تقويض هياكل الدولة القائمة، بينما أدى التركيز على المحاصيل المروية الموجهة للتصدير مثل المانجو والموز إلى إضعاف الاقتصاد اليمني وجعله أكثر اعتمادًا على الواردات، كان لهذا الوضع تأثير رهيب على اليمنيين في سياق الحرب وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية المرتبط بالصراع في أوكرانيا.
 
وكما تؤكد الباحثة لاكنر بحق، فإن مسألة تخصيص الموارد هي قضية مركزية، على الرغم من أن أولئك الذين يحللون الصراع من حيث سياسات الهوية - وخاصة الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة - غالبًا ما أهملوه.  كتاب لاكنر - بحسب المجلة الأمريكية - لا يتجاهل الانقسامات الطائفية أو صراعات القوى التي تغذي الحرب، ومع ذلك فإنه يحاول تقديم تسلسل هرمي للمتغيرات المختلفة، مما يوضح مدى أهمية سبل العيش وظروف الوجود لليمنيين العاديين في شرح تطور الحرب.
 
هذا النهج أكثر أهمية لأن مشكلة كيفية توزيع الموارد في اليمن ستصبح بالتأكيد أكثر خطورة، فقد ولدت الحرب نفسها اقتصادها الخاص مع عصابة من أمراء الحرب الذين يستفيدون من القتال بقدر ما يستفيدون من إمدادات المساعدات الإنسانية، وانتهت مؤخرا هدنة دامت ستة أشهر بلا نهاية للعنف، الفقر وتدمير البنية التحتية الاجتماعية يزدادان سوءًا.
 
تسلط الباحثة لاكنر الضوء على التحدي المتمثل في إدارة المياه مع احتمال نضوب المياه الجوفية في عدد من المناطق، بما في ذلك العاصمة والمنطقة المحيطة بها، وبالتالي فإن تغير المناخ هو مصدر قلق رئيسي من شأنه أن يفرض المزيد من القيود على الاحتمالات المتاحة لليمنيين.
 
في هذا السياق، من الصعب أن تظل متفائلاً بشأن آفاق اليمن، ومع ذلك فإن خاتمة الكتاب تقدم بعض المسارات للعمل البناء، مؤكدة على أهمية المبادرات المحلية وضرورة وجود جيل جديد من القادة اليمنيين (بالإضافة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين) للمشاركة البناءة معهم.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر